قراءة في الفيلم السعودي "كيف الحال .جرأة خجولة .لكن لابد منها / علاء كولي الناصري
هناك الكثير من الدول ترى ان كل حركة ثقافية تظهر فجأة تعتبرها رسالة موجهة لأنظمتها مباشرة وان خطاب تلك الحركات هو خطاب إسقاطي الغرض من تشويه امن تلك البلاد وأنها تحمل رسالة تشويه الطرف الأخر خاصة وإنها تمتلك وسيلة بصرية لها دور مؤثر على المجتمع
وتأتي السعودية في مقدمة الدول التي تمنع الأشكال التعبيرية أبرزها السينما والمسرح وكل ما يتعلق بأشكال التعبير المؤثرة والتي من شأنها أن تثير وتغير حركة المجتمع وقد تنقله من الركود والسبات الطويل الذي فرض عليه لأغراض سياسية ليس ألا والخوف من تلك التحركات التي يثيرها أو يطرحها المسرح أو السينما والتي يدعو من خلالها إلى مجتمع تعددي ينبذ التطرف ويدعو إلى حياة مدنية والى بناء مؤسسات ديمقراطية ويعطي فرصة للمرأة كي تأخذ دورها في الحياة وغيرها من القضايا التي تثير نظام سياسي يقمع كل أدوات التحرر والانفتاح والاتصال بالعالم الخارجي ويرفض الانعزال والذي بدوره يخلق مناخ متأزم وقمعي ويرفض الحوار مع الأخر ، كما إن من يحاول أن يتمرد عليهم أو اقلها أن يعبر ما يدور بداخله أسوة بباقي دول العالم والتي تتجه إلى خطوات واسعة نحو حرية الفكر والتعبير والرأي وتقبل الأخر وحرية المعتقد والجرأة والرفض والاحتجاج كما أن من يحاول أن يتطرق أو ينادي لأبسط الحقوق سيجد فتاوى التكفير في كل حدب وصوب هذا أذا لم يعتقل او يعذب أو يقتل وربما تلك الإجراءات التي تتبعها تلك الأجهزة لمنع كل نشاط فني سواء المسرح أو السينما او الفنون بصورة عامة يأتي من أولوية عملها كسلطة متجذرة في كم الافواه .
أما تلك التجارب الفنية الجريئة نوعا ما فهي خارج هذه الأطر القمعية وهذا ما يفسر وجود محاولات خجولة لعدد لا بأس به من الفنانين السعوديين من أن يخرجوا من هذا الإطار وان يفكروا بالجرأة وان تطرح أهم مشكلة في تاريخ هذا البلد وهي التطرف خاصة عندما يتناولها الكاتب برؤية الراصد لسلبيات المجتمع أو المؤثرات والثيمات التي يضعها المخرج بدلالات مشحونة بطاقات نقدية لاذعة يمكن من خلالها الدخول وضرب المقدس والدخول في المحظور بالنسبة للجهة التي يراد نقدها لكن في مناخ خارج عن هذه الإرادة القمعية وهذا ما جعل الفيلم السعودي كيف الحال أن يشد رحاله وان يكون خارج حدود الوطن بمخرج فلسطيني (ايزادور مسلم) والعمل في دولة الأمارات رغم أن الفيلم لم يكن بالمستوى المطلوب من حيث الاشتغال بالنسق العام للمواطن السعودي أو أبراز الملامح العامة عما يدور في ذلك الوسط وليس تقنين حركية الزمن أو ضرب المقدس كما يحصل في الأفلام المصرية وبالتحديد أفلام خالد يوسف من جرأة على مستوى الانزياح وفق نمط لا أخلاقي حيث يضع فيها رؤية الكاتب والذي يهتم بتتبع الوقائع والحوادث في أطار البيئة الزمنية المتعارف عليها .
فالفيلم كما جاء في بنيته تقليدا للمصريين ولكن في حدة اقل مما يحصل في تلك الأفلام والفكرة التي تدور إحداثها حول عائلة معتدلة ربما يحاول ان يضعها أنموذج للعائلة الجيدة لذلك الوسط كي يستطيع ان يتوغل في بناء فكرته
فالأب ..,.....رجل أعمال ليبرالي يعطي فرص كثيرة لابنته حتى في اختيار عملها في ذلك الوسط رغم وجود عوائق كثيرة من قبل الواقع أما الأخ الأكبر ( خالد ) فهو متشدد ومن خلال الانتماء إلى إحدى الجماعات السلفية.
"وهناك الجد الذي يصوره الفيلم في صورة رجل متقدم في السن، إلا أنه أبعد ما يكون عن التزمت بل إنه يدعم ويشجع ويبارك الاتجاه للفن ويهوى الغناء ويمتلك موهبة النكتة."
وابن عمهم ( سلطان ) شاب طموح يحاول أن يؤسس مع أصدقاءه فرقة مسرحية ومسرحا للتمثيل ، كما هو معروف ان المسرح من المحرمات داخل المملكة فيدخل بعد ذلك في اختلاف فكري مع ابن عمه ( خالد ) المتشدد حول شرعية عمل سلطان كما نلاحظ أيضا أن سلطان كان مغرما بابنة عمه ...... والتي أخذت بدورها العمل الصحفي وسياقه السيارة والتي تدخل أيضا في قائمة المحظورات لان النساء لايجوز سياقة السيارة في المملكة ثم يدخل بعد ذلك مسؤول الجماعة عندما يرى أخت خالد ويرسم خطة كي يتزوج بها مستعمل كل الوسائل المتاحة وصولا إلى المشاجرة بين خالد وسلطان حتى ينتهي بالأخير الى السجن ثم يتصالحان وتنتهي القضية وينتهي الفيلم .
أن ما جاء في كيف الحال لم يكن بالضرورة بالنسبة للكاتب أو المخرج ليمثل أفلام الحداثة أو ما بعد الحداثة من خلال تهديم القيم وإعادة تشكيلها وفق رؤى متعددة ،فهو رغم ذلك ثاني فيلم سعودي الهوية بعد فيلم (ظلال الصمت) 2006 والذي لم يعرض مثلما عرض كيف الحال وخاصة أن هناك إشكالية وردود أفعال عديدة حول هذين الفلمين خاصة وبالتداعي لتأسيس سينما سعودية خالصة وبالتحديد هذه الفترة التي بدأت الاهتمام بالسينما يأخذ اهتمام بخطى بطيئة جدا من خلال تأسيس صالات عرض محدودة للسينما وتأسيس جمعيات فنية ولكنها تبقى مقيدة من قبل السلطة.
لم تكن حبكة الفيلم وفكرته هي الاشتغال بالتعقيدات وتضارب الإحداث وفق انماط معينة والدخول في المحظور مثلما تفعله نظيرتها السينما المصرية رغم أن لا وجود لمقارنات بين الطرفين فالسعوديين كما قرأته حول ردود أفعالهم على عدد من الأفلام (كيف الحال ،ظلال الصمت .) بأن" ولادة السينما في السعودية هي ولادة مشوهة وموت مبكر" كما أنها حرام ومخالف للشريعة ولكن يمكن القول أنها تجربة خجولة وممكن أن تكون موطئ قدم لتجارب أخرى ورغم بساطة فكرة الفيلم لكنها تمثل خطوة جريئة جدا في نقد نظام يقوم على الفتوى ويمارس كل طقوسه القمعية على الحريات والإفراد فهو يضع المشكلة الأساس وهو التطرف الذي يملئ هذا المجتمع ومن التداخل الضبابي الذي أصاب أروقته فالفضاء المكاني للفيلم واضح المعالم ومستمر بشكل جزئي من خلال تلك المشاهد التي تسرد من خلالها الفضاء الجغرافي والذي يشمل أمكنة حياة الشخصيات وحركية الإحداث .
ومع ان تلك التجربة والخطوة البسيطة التي تمثلت في جرأة "كيف الحال" على نقد الواقع تبقى تجربة غير ناضجة فهي تطرقت إلى قضية شائكة لكن لم تضع في نهاية أي تسأولات أو إشكالات وربما انه اي المخرج أرادها هكذا والأجدر بذلك ان يكملها ويبدوا انه وضعها على قارعة الطريق لمن يريد ان يكملها وربما سيكون الحديث اوسع عندما تكون هناك تجربة أخرى أكثر جرأة تأخذ على عاتقها طرح مشكلة الحريات ونقد السلطة سواء كان النقد لاذعا او نقد غير مباشر يعتمد من خلالها المخرج على ثيمات وانساق جديدة تدخل بها ضمن عوالم تسأولية أكثر وإثارة الركود الذي يعم المجتمع .
الأحد يونيو 29, 2014 1:49 am من طرف مصطفى الروحاني
» قصيدة هبة الله للشاعر العراقي عبدالله النائلي
الأحد يونيو 29, 2014 1:45 am من طرف مصطفى الروحاني
» رثائية حبيب للشاعر العراقي عبدالله النائلي
الأحد يونيو 29, 2014 1:44 am من طرف مصطفى الروحاني
» تعبان مثل العشگ
الإثنين أكتوبر 17, 2011 2:23 pm من طرف الفراشه الحالمه
» اشتقت اليـــــــك
الإثنين أكتوبر 17, 2011 3:20 am من طرف الفراشه الحالمه
» اخاف عليك من روحي
الإثنين أكتوبر 17, 2011 3:14 am من طرف الفراشه الحالمه
» نهر عطشان
الإثنين أكتوبر 17, 2011 3:08 am من طرف الفراشه الحالمه
» مرثية ليست اخيرة
السبت يونيو 18, 2011 7:00 pm من طرف سامي عبد المنعم
» رحيم الغالبي ..... لك العافية
السبت يونيو 18, 2011 9:16 am من طرف كامل الغزي
» تجليات الفنان الفطري حمد ماضي
الجمعة مايو 27, 2011 11:21 am من طرف كامل الغزي